2009 - 15:59
مروة مع زوجها والطفل
كتب السيد خضرى وهناء أبوالعز وحنان غريب - تصوير: أحمد إسماعيل
var addthis_pub="tonyawad";
32 عاماً كان
عمرها.. وهو الرقم الذى يعادل عدد الثوانى التى استغرقها الجانى فى
الإجهاز عليها فى حضرة العدالة الألمانية.. مروة على الشربينى.. تبقى
لأسرتها فقط صورتها مع طفلها مصطفى الذى لم يتجاوز الأربع سنوات يحتضنهما
زوجها الدكتور علوى.. ثوان كانت هى الفاصلة بين تمسك مصطفى بيدى أمه.. قبل
أن تتركه على مقعده فى قاعة المحكمة.. لتتقدم هى إلى القاضى.. وبين صراخه
وهو يشاهد الطعنات وهى تنهال على صدر أمه بعدها صرخ مصطفى وهو يسمع صوت
طلقات الرصاص، الذى ينطلق إلى جسد أبيه.. ويبكى الطفل وأمه تسقط مضرجة فى
دمائها، والأب هو الآخر يلحق بها، دماؤهما امتزجت على أرض ساحة العدالة
الألمانية.. والشهود هم القضاة وحراس المحكمة الذين تدخلوا فقط لإطلاق
الرصاص على كل من هو عربى فى القاعة.. والغريب أنهم لم يسددوا رصاصة واحدة
إلى القاتل وكأنهم يساعدوه على التخلص من كل من هو عربى فى المكان..مازال
الصغير يصرخ فى قاعة محكمة دريسدن وأمه تلفظ أنفاسها الأخيرة وأبوه هو
الآخر ينزف من صدره بفعل طعنات القاتل ومن ساقه بفعل رصاصات الشرطة
الألمانية.. فملامحه العربية فى عين الحارس جعلت منه هو الإرهابى.
«عاهرة.. مسلمة.. إرهابية» ثلاث كلمات أطلقها أحد العنصريين فى حديقة عامة
بمدينة دريسدن.. جعلت مروة تصر على مواجهته بالقانون الذى وضعه الألمان
لحماية حريات وحقوق الجميع! مروة لجأت للمحكمة لمقاضاة جارها العنصرى
«ألكس» القادم من أصول روسية.. مطاردته المستمرة لها ومحاولته نزع حجابها
بالقوة أكثر من مرة فاعترضت بالقانون، وهو ما لم يطقه ألكس فقتلها، وقتل
معها جنينها ذا الثلاثة أشهر.. جريمة يجسدها شقيقها طارق فى قوله: «قتلوها
علشان هيه محجبة».
طارق هو الشقيق الوحيد للشهيدة كانت عيناه تحمل من القلق ما يكفى لأن
تسأله والدته «مالك يا طارق؟» ليرتمى بعدها على صدرها باكيا «مروة يا
ماما.. ماتت».
مروة التى لم تصدق والدتها وفاتها تقول عنها: «كانت هادئة.. متدينة ومحبوبة من أهلها وجيرانها».
قصة الحب تلك التى جمعت الطبيبين مروة وعلوى منذ كانا طالبين فى المرحلة
الإعدادية وحتى تخرجهما فى كلية الصيدلة بالإسكندرية عام 2000، تصفها إحدى
صديقاتها بأنها كانت قصة من الحب العفيف الذى جمع الاثنين منذ صغرهما.
مصطفى ابن الشهيدة عاش يومين من الوحدة لدى إحدى الأسر العربية، فالأب فى
غيبوبة تامة لا يدرى بوفاة زوجته، شقيقته عبير لم تصدق الخبر كما لم يصدقه
والدها الدكتور على عكاز أستاذ الهندسة بجامعة الإسكندرية فأسرعت إلى
المطار لتلقى بنفسها بين ركاب أول طائرة متجهه إلى ألمانيا.
مروة ماتت قالتها صديقة الطفولة لـ «اليوم السابع» وهى تتقبل العزاء فى
منزلة شهيدة الحجاب.. سالى فارس طبيبة أسنان والصديقه المقربة إلى قلب
الشهيدة.. وصلت إلى مستوى الأخوة كما تقول الدكتورة سالى: «كنا لا نفترق
إلا على النوم.. أنا مسيحية وهى مسلمة وكنا نلعب فى فريق كرة اليد وفى كل
السفريات كنا نقيم معا فى حجرة واحدة».
الدموع تغالب الدكتورة سالى «كانت مروه هادئة واجتماعية لتتجنب المشاكل،
وعلى الرغم من تدينها فإنها كانت تحب أصدقائها المسيحيين بشدة، وقد حضرت
فرحى داخل الكنيسة، لم تكن متطرفة».
وتعود سالى إلى سنوات الطفولة والمدرسة وتقول: كانت لمروة شخصية قيادية فى
مدرستنا، والحادثه البشعة التى أنهت حياتها لا يرضى عنها أى دين..ومن
الإسكندرية إلى ألمانيا.. وتفاصيل الجريمة التى بدأت فصولها الأولى فى
خريف 2008، فى ملعب للأطفال، بمدينة دريسدن بشرق ألمانيا، وكان ألكس يلهو
مع طفلة من أقاربه، وذهبت مروة بابنها مصطفى.. وبسماحتها المعتادة طلبت من
الرجل أن يسمح بركوب ابنها مع الطفلة على الأرجوحة.. بعد أن ملت من
الانتظار حتى ينتهى، وربما كانت مروة تفكر أن ترسم صورة من صور التواصل
والاندماج، وبدلا من أن تتلقى جواباً بالقبول أو الرفض، فوجئت بالرجل يكيل
لها الشتائم، وذهبت إلى المحكمة تطلب حقها حتى صدر حكم لصالحها بغرامة
قيمتها 780 يورو بسبب الإهانات، وانتقلت القضية إلى محكمة الاستئناف بناء
على طلب الجانى، فقد بقى خلال المحكمة الأولى والثانية رافضاً لتنفيذ
الحكم.. ورغم أنه كان هادئاً فى المحكمة، ولا يوحى بأنه سيرتكب جريمة ما،
لكنه دخل المحكمة والسكين بين طيات ملابسه، وهى تعكس إصراره على القتل.
وقد كانت مروة وزوجها يعيشان مع طفلهما فى دريسدن، اعتمادا على منحة
دراسية، إذ كان يحضر لرسالة الدكتوراه فى علم الأحياء الجزيئى للخلايا فى
معهد ماكس بلانك المرموق عالمياً، وكانت مروة تعمل فى إحدى الصيدليات.
جثمان شهيدة الحجاب تم دفنه فى مقبرة الأسرة التى اشتراها الأب فى برج
العرب بعد رحلة استغرقت 4 ساعات من ألمانيا إلى القاهرة.. شقيق مروة لم
يتسلم حتى الآن تقرير الطب الشرعى لأن الوفاة جنائية وأبلغوه أنه سيذهب
إلى سلطات التحقيق.
عبير شقيقة الدكتور علوى مازالت إلى جوار شقيقها لتخفف عنه أحزانه وترعى
الصغير مصطفى الذى أمضى لأول مرة فى حياته يومين وحيداً بعيدا عن أمه التى
ماتت، وأبيه الراقد بين الحياة والموت.. بعدما رفضت السلطات الألمانية
تسليمه للسفارة المصرية لأن القانون هناك يمنع تسليم الطفل لأى جهة دون
إذن والديه حتى تسلمته عمته عبير.
أم مروة تروى لـ«اليوم السابع» تفاصيل معرفتها بخبر وفاة ابنتها، قائلة إن
ابنها طارق جاءها ثم جلس قليلاً، مضيفة: «اعتقدت أن طارق جاء لأخذ مفاتيح
العربية لإصلاحها.. لكنى نظرت فى عينيه فوجدته متوتراً، ولا يجلس بشكل
طبيعى وعندما سألته عما به فصرخ وارتمى على صدرى، وقال «مروة ياماما مروة
ياماما ماتت..». حالة من الذهول انتابت أم طارق لم تصدق ما سمعته.. غابت
عن الوعى.
الأم لم تعرف أن ابنتها قتلت داخل المحكمة إلا بعد ثلاثة أيام من أحد
أقاربها، وقبل أن تدخل فى حالة أخرى من البكاء طالبت بالثأر لابنتها،
قائلة: «أنا عايزة حاجة واحدة أنا عايزة حق دم مروة».
«قتلوها علشان هيه محجبة» كانت هذه الكلمات هى أول ما قاله طارق الشربينى
شقيق الدكتورة مروة الشربينى، وأضاف الشربينى لـ«اليوم السابع» فى أول
تصريح صحفى له، أن مروة تعد الشقيقة الوحيدة له وأن لديها ولداً وحيداً
اسمه مصطفى، ويبلغ من العمر ثلاث سنوات ونصف، وأنها كانت حاملا فى شهرها
الثالث، وأن آخر مرة زارت فيها مصر منذ 6 أشهر، مضيفاً أنها اتصلت بأسرتها
أول أمس، الثلاثاء، للاطمئنان على والديها.
وقال طارق إن أخته كانت تعمل صيدلانية بألمانيا، ومن المفترض أن يناقش
زوجها رسالة الدكتوراه خلال الشهر الحالى، وقال طارق: «الألمان يتجاهلون
الجريمة، لأنها تمت داخل ساحة المحكمة، ولأن حجابها هو سبب الاعتداء
عليها»، مضيفاً: «نحن لا نريد إلا أخذ حقها، لأنها لم تقتل إلا بسبب
التزامها وتدينها».
الإسكندرية كلها خرجت لتودعها وجثمان الشهيدة الآن يرقد تحت الثرى فى
بلدها الذى عادت إليه فى صندوق مغلق.. بعدما غادرتها قبل ست سنوات إلى
بلاد الحرية المطلقة.. والفرص الجيدة، ماتت مروة وتركت ابنها وحيدا إلى
جوار أبيه المصاب فى بلاد تكره العرب والمسلمين.